كتب الكثيرون عن هذه الأسطورة، منذ العقد الثالث من القرن العشرين، إلى الآن وحتى الآن، وكان القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا، بمختلف توجهاتهم الفكرية، الانطلاق دوما، مما روجته بعض العناصر من الحركة الوطنية المسالمة، من تأويلات مغرضة، وأكاذيب ملفقة، بمفرداتها، وعباراتها، ولم نجد واحدا من بين هؤلاء الكتاب، من باب البحث، والتمحيص، والتدقيق، حاول الرجوع إلى الوثيقة الرسمية المعروفة بــ"الظهير المنظم لسير العدالة ذات الأعراف البربرية بالمناطق التي لا توجد بها محاكم لتطبيق الشريعة" التي صدرت في سنة 1930 بتوقيع محمد الخامس طيب الله ثراه، والتي أطلق عليها المغرضون تسمية "الظهير البربري" لأهداف غدت معروفة في الوقت الحاضر، وذلك من أجل قراءتها، وفحص بنودها، ومقارنتها بما يروج في وسائل الإعلام، وفي الكتب المدرسية، تثبيتا للحقائق التاريخية، والقانونية، وحفاظا على الأمانة العلمية والموضوعية التاريخية. ونظرا لكون الحركة الوطنية المسالمة، قد تعمدت تغييب النص الأصلي، وطمس رسالة محمد الخامس التي بعث بها إلى أئمة المساجد، التي يستنكر فيها ما قامت به تلك الجماعة من تزييف، وتحريف للحقائق، والمقاصد النبيلة لجلالته، فإن أتباعها الروحيين ساروا أيضا على نهجها، لتحقيق ذات الأهداف، ذلك أنهم لا يعودون إلى النص الأصلي، ولا يستشهدون بفقراته، ولا يثبتونه في كتبهم، لأنهم يعرفون أن أكاذيبهم ستنكشف، وأنهم سيفضحون رموزهم النضالية المسالمة. والغريب في الأمر، بهذا الباب، أن السلفية الوهابية، والقومية العربية بالمغرب، هاجمت الأمازيغية منذ سنة 1930 من منابر مساجد سلا، والرباط، وفاس، وتمكنت من طردها من المدرسة النظامية، وغير النظامية، وما
أن وصل عقد التسعينيات من نفس القرن، حتى أعاد التاريخ نفسه، وجاءت الحركات الإسلاموية، بكل تلويناتها، لتهاجم الأمازيغية، من جديد، من نفس المنابر، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن طبيعة العلاقة القائمة بين سلفية رواد الحركة الوطنية، والسلفية الجهادية في بداية القرن الواحد والعشرين.
إذا كان رواد الحركة الوطنية المسالمة، وأتباعها الروحيون، قد اعتمدوا الكذب على الشعب المغربي، وعلى التاريخ المغربي، منذ 74 سنة، فإن السواد الأعظم من الشعب المغربي، حاليا، يرفض أن تكون البرامج والمناهج الدراسية، والكتب المدرسية، قنوات للكذب على الشعب المغربي، ووسيلة استغلال لأغراض سياسية، وعرقية ضيقة، وبرفض، بالتالي، أن تكون وزارة التربية الوطنية والشباب، أداة من أدوات ترسيخ الكذب، وتعميقه في نفوس الأجيال الصاعدة. وتبعا لهذا، فإنه لا يسعنا إلا أن نكون مع الآباء والأمهات، الذين رفعوا القضية ضد وزير التربية الوطنية، بشأن سحب المعلومات التاريخية المغلوطة، الواردة بكتاب التاريخ للسنة التاسعة من التعليم الأساسي ص 110، طبعة 2003، حفاظا على وحدة الشعب المغربي، الراسخة في القدم، وإقصاء لكل ألوان العرقية، والعنصرية، التي يروجها الكتاب.
1ـ أسطورة ميلاد الحركة الوطنية:
عندما يتأمل أحدنا الأدبيات التاريخية التي تروجها الكتب المدرسية، والكتب الخاصة، والصحف، والجرائد الوطنية، على مدى 70 سنة، سيلاحظ، منذ الوهلة الأولى، أن جميع تلك الأدبيات، تمارس نوعا من التزوير، والتدليس، وهي تربط ميلاد الحركة الوطنية بظهير 16 ماي 1930، وإمعانا في التضليل، كتب الكثيرون عن نضالات "أبو شعيب الدكالي" و "محمد بن العربي" كزعماء للحركة السلفية المغربية، المستوردة من المشرق العربي، مثلما كتبوا عن نضالات محمد الديوري، ومحمد بن الحسن الوزاني، ومحمد المكي الناصري، وعبد الخالق الطريس، وأحمد الشرقاوي، باعتبارهم مقاومين، لأنهم أمضوا وثيقة المطالبة بالإصلاحات المقدمة للاستعمار سنة 1934، ونشرت صورهم غير ما مرة بالكتب المدرسية، لكن أحدا من هؤلاء لم يكتب عن أبطال المقاومة المسلحة بالبوادي المغربية، التي اندلعت منذ سنة 1907 واستمرت إلى سنة 1936، بقيادة أمثال عبد الكريم الخطابي، وعسو بسلام، وبلقاسم أنكاد، والبوعزاوي الذي قاد ثورة الشاوية، وأمغار سعيد بايت بعمران، والشيخ ماء العينين بالصحراء وسوس، وموحا أو حمو الزياني بالأطلس المتوسط، وعبد الله بن زاكور بقبيلة أيت عبد الله بسوس، وغيرهم من الأبطال الذين رفضوا الحماية، وأبلوا البلاء الحسن في مقاومة الاستعمار الفرنسي والاسباني لمدة 36 سنة، ولم يسبق لأحد أن نشر صورهم لتتعرف عليهم الأجيال المتعاقبة، الأمر الذي يوضح بجلاء أن هناك نية مبيتة في تغييب أسماء تلك الرموز النضالية، وطمسها بهدف الهيمنة على الذاكرة المغربية، والإبقاء على الامتيازات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تتمتع بها الجهات الممارسة للإقصاء والطمس، والإصرار على الاختباء من وراء أسطورة الظهير البربري المزعوم، التي تتخذها تلك الجهات كإطار مرجعي لمهاجمة الأمازيغية والأمازيغيين حتى داخل المؤسسات التعليمية، التي يفترض أن توحد الأجيال الصاعدة، عوض خلق صراعات وتناقضات فيما بينها. غير أن ما يثير الاستغراب في هذا الباب، هو أن جميع الورثة الشرعيين للحركة الوطنية المسالمة، وأتباعها الروحيين، ربطوا ميلاد الحركة الوطنية بظهير 1930، لأن هذا ما قالته "حذام" المغاربة، وليس هناك قول بعد قول "حذام"، وتجاهل جميعهم مقاومة المغرب للاستعمار قبل هذا التاريخ، وحذت وزارة التربية الوطنية حذوهم منذ 53 سنة، وتجاهلت بدورها، وقائع تلك المرحلة التاريخية، وتعدت ذلك إلى تجاهل ما ورد بخطاب جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، سنة 1994، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، التي نوه فيها بمعركة الهري، ومعركة بوكافر، ومعركة أنوال، وغيرها من الملاحم البطولية التي حدثت بعد الحماية مباشرة، مذكرا بان تاريخ الشعب المغربي، تاريخ صنعته جميع جهات المملكة، وجاءت خطب جلالة الملك محمد السادس في 2001 لتصب في نفس التوجه، بهدف تمكين المغاربة من المصالحة مع تاريخهم الوطني، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
ومن أجل وضع حد لبتر تاريخ المغرب، وتشويهه، وتقزيمه، نعتقد أن من واجبنا العمل، من الآن فصاعدا، على تحصين التاريخ المغربي، وقطع الطريق على أولئك الذين يريدون توظيفه من أجل الهيمنة والإقصاء، وذلك عن طريق اعتماد الفكر النقدي، لهدم الأوثان الفكرية، للحركة الوطنية المسالمة، وإيقاف التخدير الإيديولوجي الذي تمارسه، هي وأتباعها، على الأجيال الصاعدة، حتى لا يستمر الكذب على التاريخ المغربي وبالتالي، على المواطنين المغاربة، الأحياء منهم والأموات، لأن غياب الروح النقدية البناءة، هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.
2ـ أساطير عروبة المغرب، ونشأة الدولة المغربية:
نود الإشارة هنا إلى القول، بأنه إذا كان للعرب القدماء في الجزيرة العربية "حذامهم" يصدقون كل مقولاتها، من دون تردد، فإن للمغاربة في العصر الحديث، أيضا "حذامهم"، ارتبط ميلادها بظهير 16 ماي 1930، وتتجسد ”حذام“ المغاربة في رموز بعض أعضاء الحركة الوطنية المسالمة. قالت "حذام" المغاربة: "إن البرابرة المغاربة عرب قادمون إلى (المغرب العربي) من اليمن أو الجزيرة العربية". قال لها المغاربة، نعم، صدقت ياحذام المغرب! وقالت "حذام" المغاربة: "إن بداية الدولة المغربية، ونشأتها، ارتبطت بمجيء عبد الله بن إدريس، العربي، من المشرق العربي، منذ أربعة عشر قرنا". قال لها المغاربة: نعم، صدقت ياحذام المغرب، وقالت "حذام" المغاربة: "إن هوية المغاربة، هوية قومية عربية". قال لها المغاربة، نعم صدقت، ياحذام المغرب. وقالت "حذام" المغاربة: "إن هوية المغاربة إسلامية فقط". قال لها المغاربة: نعم صدقت، ياحذام المغرب. وقالت "حذام المغاربة": "إن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة والموحدة لجميع المغاربة"، قال لها المغاربة: نعم، صدقت ياحذام المغرب، وقالت "حذام المغاربة": "إن الحضارة المغربية هي حضارة عربية صرفة"، قال لها المغاربة، نعن، صدقت ياحذام المغرب. وقالت "حذام المغاربة: "إن الظهير البربري جاء للقضاء على العروبة والإسلام، وإحداث التفرقة بين العرب وإخوانهم البربر". قال لها المغاربة، نعم، صدقت، ياحذام المغرب. وقالت "حذام المغاربة في كتاب التاريخ للسنة التاسعة من التعليم الأساسي، ص 110 طبعة 2003: "إن شكيب أرسلان، المستقر بجنيف، هو الذي يتصل بقادة الحركة الوطنية، ويحثهم على مقاومة الاستعمار"، وخوفا من أن تكتب "حذام" المغاربة، غدا، أو بعد غد، في الكتب المدرسية المغربية أن " شكيب أرسلان هو الذي كان يتصل بعبد الكريم الخطابي، وعسو بسلام، وعبد الله بن زاكور، وموحا أو حمو الزياني... ويحثهم على مقاومة الاستعمار الفرنسي، والإسباني "قال لها المغاربة: "كفاك! ياحذام المغرب من الكذب والاقتراء على تاريخ المغرب". ونهضوا من توهم، واتفقوا على مقاضاتها، ومقاضاة وزارة التربية الوطنية بمحكمة الرباط، بالطعن في كل مقولاتها الكاذبة على مدى 73 سنة، ومطالبتها بسحبها من الكتب المدرسية. ونعتقد أن المغاربة سيقاضون لاحقا وزير الإعلام، لمطالبته، بدوره بسحب المقولات الكاذبة لحذام المغاربة من التلفزتين المغربيتين، والإذاعات الوطنية، على أن ما نود الخلوص إليه من خلال هذا المقال، هو أن على وزارة التربية الوطنية، والشباب،باعتبارها وزارة كل المغاربة، القيام بتطهير برامجها ومناهجها، وكتبها المدرسية، من الإيديولوجية القومية العربية، ومن ضلالات غلاة البعثيين، وغلاة الإسلامويين بالمغرب، لأنها ستقود إلى الفتنة، إن هي تركت على ما هي عليه اليوم، والنهوض بتصحيح المفاهيم، والأحداث، والوقائع المغلوطة، وإلغاء الأساطير التي تروجها المؤسسات التعليمية، بمختلف أسلاكها، كأسطورة الظهير البربري، وأسطورة بداية نشأة الدولة المغربية، وأسطورة عروبة المغرب وغيرها من الأساطير التي يرفضها التاريخ المغربي وترفضها الجغرافية الوطنية، ويرفضها الشعب المغربي، والمجتمع الدولي، مثلما نود الإشارة إلى القول أن على وزارة الإعلام بدورها القيام بواجبها على صعيد برامج القناة الأولى والثانية، والإذاعات الوطنية، بغية تطهيرها من سموم الإيديولوجيا العربية التي تمرر إلى الأجيال الصاعدة من خلال وعبر، برامج عديدة، من قبيل برنامج (فاصلة) وبرنامج (السباق الرقمي) وبرنامج النجوم، وإعادة النظر في النشرات الإخبارية، التي تختزل عالم المغاربة في قضية فلسطين وقضية العراق، راهنا، وقضايا البوسنة والهرسك، والشيشان وأفغانستان سابقا، والانفتاح على عالم أوربا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا وآسيا وما تزخر به هذه العوالم من تقدم اقتصادي وعلمي، وتكنولوجي، وثقافي بهدف تحفيز المغاربة على الاقتداء بها، من دون إغفال الاهتمام بالقضايا المحلية والوطنية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو عقدية أو فلسفية أو فنية، علما بأننا لسنا ضد القومية العربية ولا ضد الحركات الإسلاموية، ولكننا ضد استغلالها لمنظومة وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمؤسسات التعليمية العمومية، لأنها ليست ملكا لها لوحها، بل هي ملك لكل المغاربة. وتبعا لهذا، فإنه لا يحق لهما استعمالها للتخدير الإيدولوجي للشعب المغربي.